الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)} {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ} بإدخال النار {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} يدخله الجنة {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} من ثواب وعقاب، أو من يهنه بالشقاء فلا مُكرم له بالسعادة {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} من شقاوة وسعادة. {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)} {خَصْمَانِ} المسلمون المشركون لما اقتتلوا ببدر، أو نزلت في ثلاثة مسلمين بارزوا ثلاثة من المشركين فقتلوهم، أو أهل الكتاب قالوا: نبينا وكتابنا قد تقدما نبيكم وكتابكم ونحن خير منكم وقال المسلمون: نبينا خاتم الأنبياء ونحن أولى بالله منكم، أو المؤمنون والمشركون اختلفوا في البعث والجزاء، أو الجنة والنار اختصمتا فقالت النار خلقني الله تعالى لنقمته وقالت الجنة: خلقني الله تعالى لرحمته قاله عكرمة {قُطِّعَتْ} عبّر بتقطيع الثياب عن إحاطة النار بهم إحاطة الثوب بلابسه {الْحَمِيمُ} الماء الحار لأنه ينضج لحومهم والنار تحرقها، قيل نزلت في مبارزي بدر فقتل حمزة عتبة بن ربيعة، وقتل علي الوليد بن عتبة بن ربيعة، وقتل عبيدة بن الحارث شيبة بن ربيعة. {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)} {يُصْهَرُ} يذاب صهرت الألية أذبتها، أو يحرق، أو يقطع به، أو ينضج. {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)} {مَّقَامِعُ} جمع مقمعة، والقمع: ضرب الرأس حتى يقعي فينكب، أو ينحط. {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)} {الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} لا إله إلا الله، أو الإيمان، أو القرآن، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. {صِرَاطِ الْحَمِيدِ} الإسلام، أو الجنة. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} المسجد نفسه {جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} قبلة ومنسكاً للحج فحاضره والبادي سواء في حكم المسجد، أو في حكم النسك، أو أراد جميع الحرم فالحاضر والبادي سواء في الأمن فيه وأن لا يقتلا به صيداً ولا يعضدا شجراً، أو سواء في دروه ومنازله فليس العاكف أولى بها من البادي {بِإِلْحَادٍ} الإلحاد: الميل عن الحق، الباء زائدة. قال الشاعر: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج *** نضرب بالسيف ونرجو بالفرج {بِظُلْمٍ} بشرك، أو باستحلال الحرام، أو باستحلال الحرم تعمداً «ع» أو احتكار الطعام بمكة، أو نزلت في أبي سفيان وأصحابه لما صدوا الرسول صلى الله عليه وسلم عام الحديبية «ع». {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)} {بَوَّأْنَا} وطأنا، أو عرفناه بعلامة سحابة تطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها، أو ريح هبت فكنست حول البيت يقال لها: الخجوج {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ} من الشرك وعبادة الأوثان. أو من الأنجاس كالفرث والدم الذي كان يطرح حول البيت، أو قول الزور {لِلطَّآئِفِينَ} بالبيت {وَالْقَآئِمِينَ} في الصلاة، أو المقيمين بمكة {وَالْرُّكَّعِ السُّجُودِ} في الصلاة. {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} {وَأَذِّن فِى النَّاسِ} أعلمهم ونادِ فيهم، خوطب به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقام إبراهيم على أبي قُبَيْس فقال: عباد الله إن الله تعالى قد بنى بيتاً، وأمركم بحجة فحجوا فأجابوه من أصلاب الرجال وأرحام النساء. لبيك داعي ربنا فلا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب إبراهيم، قيل أول من أجابه به أهل اليمن فهم أكثر الناس حَجاً {رِجَالاً} جمع راجل {ضَامِرٍ} جمع مهزول {عَمِيقٍ} بعيد. {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ} شهود المواقف وقضاء المناسك، أو المغفرة، أو التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة، {مَّعْلُومَاتٍ} عشر ذي الحجة أخرها يوم النحر «ع»، أو أيام التشريق، أو يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر {عَلَى مَا رَزَقَهُم} على نحر ما رزقهم من الأزواج الثمانية من الضحايا والهدايا {فَكُلُواْ} الأكل والإطعام واجبان، أو مستحبان، أو يجب الإطعام دون الأكل، {الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ} الذي جمع الفقر والزمانة، أو الفقر وضر الجوع أو الفقر الطلب، أو الذي ظهر عليه أثر البؤس، أو الذي يُؤنف من مجالسته. {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} {تَفَثَهُمْ} مناسك الحج «ع»، أو حلق الرأس، أو إزالة قشف الإحرام بالتقليم والطيب وأخذ الشعر وتقليم الأظفار والغسل «ح» {نُذُورَهُمْ} من نحر، أو غيره {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الإفاضة {الْعَتِيقِ} عتقه الله تعالى من الجبابرة «ع»، أو عتيق لم يملكه أحد من الناس، أو من الغرق زمن الطوفان، أو قديم أول بيت وضع للناس بناه آدم عليه الصلاة والسلام، وأعاده بعد الطوفان إبراهيم عليه الصلاة والسلام. {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)} {حُرُمَاتِ اللَّهِ} فعل المناسك، أو منهيات الإحرام {مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} من {والمنخنقة} [المائدة: 3] إلى قوله {عَلَى النصب} [المائدة: 3] أو {غَيْرَ مُحِلِّى الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] {الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} من للجنس، أو اجتنبوا منها رجسها وهو عبادتها {قَوْلَ الزُّورِ} الشرك، أو الكذب، أو شهادة الزور، أو أعياد المشركين. {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} {حُنَفَآءَ} مسلمين، أو مخلصين أو مستقيمين، أو حُجَّاجاً، {غَيْرَ مُشْرِكينَ} مرائين بعبادته، أو شهادة الزور، أو قولهم في التلبية: «إلا شريكاً هو لك». {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} {شَعَائِرَ اللَّهِ} فروضه، أو معالم دينه يريد مناسك الحج تعظيمها: بإتمامها. {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)} {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} بالتجارة، والأجل المسمى: العود، ومحلها: محل المناسك هي الحج والعمرة الطواف بالبيت العتيق، أو يريد بالشعائر البدن المشعرة تعظيمها باستسمانها واستحسانها، والمنافع الركوب والدر والنسل، والأجل المسمى: «إيجابها» «ع»، أو نحرها، ومَحِلُّها: مكة، أو الحرم كله، أو يريد بالشعائر دين الله كله نعظمه بالتزامه «ح»، والمنافع: الأجر والأجل المسمى: القيامة ومحلها إلى البيت: «يحتمل إلى رب البيت»، أو ما اختص منها بالبيت «كالصلاة إليه وقصده بالحج والعمرة». {تَقْوَى القلوب} [الحج: 32] إخلاصها. {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)} {مَنَسَكاً} حجاً، أو ذبحاً، أو وعيداً، والمنسك في كلامهم الموضع المعتاد، مناسك الحج لاعتياد مواضعها {بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} الهدى إن جعلنا المنسك الحج، أو الأضاحي إن جعلناه العيد {الْمُخْبِتِينَ} المطمئنين إلى ذكر الله تعالى أو المتواضعين، أو الخاشعين، الخشوع في الأبدان والتواضع في الأخلاق، أو الخائفين، أو المخلصين، أو الرقيقة قلوبهم، أو المجتهدون في العبادة، أو الصالحون المقلون، أو الذين لا يظلمون وإذا ظُلموا لم ينتصروا قاله الخليل. {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)} {وَالْبُدْنَ} الإبل عند الجمهور، أو الإبل والبقر، وأو ذوات الخف من الإبل والبقر والغنم حكاه ابن شجرة سميت بدناً لأنها مُبدنة بالسمن {شَعَائِرِ اللَّهِ} معالم دينه، أو فروضه {فِيهَا خَيْرٌ} أجر، أو ركوبها عند الحاجة وشرب لبنها عند الحلب {صَوَآفَّ} مصطفة، أو قائمة تصفُّ بين أيديها بالقيود، أو معقولة، قرأ الحسن «صوافي» أي خالصة لله تعالى من الصفوة، ابن مسعود «صوافن» معقولة إحدى يديها فتقوم على ثلاث، صفن الفرس ثنى إحدى يديه وقام على ثلاث وقال: ألف الصفون فما يزال كأنه *** مما يقوم على الثلاث كسيرا {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سقطت إلى الإرض، وجب الحائط سقط، وجبت الشمس غربت {فَكُلُواْ} يجب الأكل من المتطوع به، أو يستحب عند الجمهور ولا يجب، كانوا في الجاهلية يحرمون أكلها على أنفسهم. {الْقَانِعَ} السائل و{وَالْمُعْتَرَّ} المعترض بغير سؤال «ح» أو القانع الذي لا يسأل والمعتر يعتري فيسأل، أو القانع المسكين الطَّوَّاف والمعتر الصديق الزائر، أو القانع: الطامع، والمعتر الذي يعتري بالبدن ويتعرض للحم لأنه ليس عنده لحم. {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)} {لَن يَنَالَ اللَّهَ} لن يتقبل الدماء وإنما يتقبل التقوى، أو لن يصعد إلى الله تعالى اللحم والدم وإنما يصعد إليه التقوى والعمل الصالح، كانوا في الجاهلية إذا نحروا البدن استقبلوا الكعبة بدمائها فنضحوها نحو البيت فأراد المسلمون فعل ذلك فنزلت «ع» {هَدَاكُمْ} أرشدكم إليه من حجكم. {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} {يَدْفع} بالكفار عن المؤمنين وبالعصاة عن المطيعين، وبالجهال عن العلماء، «أو يدفع عنهم هواجس النفس ووسواس الشيطان»، أو يدفع بنور السنة ظلمات البدعة. {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} {بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} دفع المشركين بالمسلمين، أو عن الدين بالمجاهدين، أو بالنبيين عن المؤمنين، أو بالصحابة عن التابعين، أو دفعه عن الحقوق بالشهود قاله مجاهد، أو عن النفوس بالقصاص {صَوَامِعُ} الرهبان، أو مصلى الصابئة سُميت بذلك لانصمام طرفيها، المتصمع المنصم ومنه أذن صمعاء، {وَبِيَعٌ} النصارى، أو كنائس اليهود، {وَصَلَوَاتٌ} كنائس اليهود يسمونها صلوتاً فعرب، أو تركت صلوات {وَمَسَاجِدُ} المسلمين، لَهَدَمها المشركون الآن لولا دفع الله بالمسلمين، أو لهدمت صوامع أيام شرع موسى، وبيع أيام شرع عيسى ومساجد أيام شرع محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين يعني لهدم في كل شريعة الموضع الذي يعبد الله تعالى فيه. {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)} {مُّعَطَّلَةٍ} خالية من أهلها، أو من دلائها وأرشيتها، أو غائرة الماء {مَّشِيدٍ} حصين، أو رفيع أو مجصص، الشِّيد: الجص أصحاب القصور أهل الحضر وأصحاب الآبار أهل البدو، أهلك الطائفتين. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} {يَعْقِلُونَ بِهَآ} يُعَبرون، أو يعلمون، يدل على أن العقل علم وأن محله القلب {يَسْمَعُونَ} يفهمون {لا تَعْمَى الأَبْصَارُ} قيل نزلت في ابن أم مكتوم. {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)} {وَإِنَّ يَوْماً} من الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض، أو طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا، أو ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألم ألف سنة من أيام الدنيا في الشدة وكذلك النعيم. {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)} {سَعَوْاْ فِى ءَايَاتِنَا} تكذيبهم بالقرآن، أو عنادهم في الدين {معجِّزين} مثبطين من اراد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أو مثبطين في اتباعه، أو مكذبين، أو مظهرين لمن آمن به تعجيزه في إيمانه {مُعَاجِزِينَ} مشاقين «ع»، أو متسارعين، أو معاندين، أو يظنون أنهم يعجزون الله هرباً. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} {تَمَنَّى} حدّث نفسه فألقى الشيطان في نفسه، أو قرأ فألقى الشيطان في قراءته، لما نزلت النجم قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قوله {وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} [النجم: 20] ألقى الشيطان على لسانه «تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترجى»، ثم ختم السورة وسجد [وسجد معه] المسلمون والمشركون ورضي بذلك كفار قريش فأنكر جبريل عليه السلام ما قرأه وشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت. وألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً، أو كان ناعساً فقرأه في نعاسه، أو تلاه بعض المنافقين عن إغواء الشيطان فتخيل لهم أنه من تلاوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عني بقوله: «الغرانيق العلا» الملائكة «وإن شفاعتهم لترتجى» في قولكم «ح» {رَّسُولٍ} الرسول والنبي واحد، أو الرسول من يُوحى إليه مع الملك والنبي من يوحي إليه في نومه، أو الرسول هو المبعوث إلى أمة والنبي مُحَدَّثٌ لا يبعث إلى أمة، أو الرسول هو المبتدىء بوضع الشريعة والأحكام والنبي هو الذي يحفظ شريعة غيره قاله الجاحظ. {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)} {فِتْنَةً} محنة، أو اختباراً {مَّرَضٌ} نفاق، أو شك {وَالْقَاسِيَةِ قُلُوُبُهُمْ} المشركون {شِقَاقٍ بَعِيدٍ} ضلال طويل، أو فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة. {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)} {مِرْيَةٍ مِّنْهُ} شك من القرآن {السَّاعَةُ} القيامة على من تقوم عليه من المشركين «ح» أو ساعة موتهم {يَوْمٍ عَقِيمٍ} القيامة، أو يوم بدر والعقيم: الشديد، أو الذي لا مثل له لقتال الملائكة فيه. {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)} {وَمَنْ عَاقَبَ} لقي قوم من المسلمين قوماً من المشركين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدوهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله تعالى المسلمين بهم فنزلت، أو لما مَثَّلُوا بالمسلمين بأُحُد عاقبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمثله فنزلت {لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ} تعالى في الدنيا بالقهر والغلبة وفي الآخرة بالحجة والبرهان. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} {هُوَ الْحَقَّ} اسم من أسماء الله تعالى أو ذو الحق، أو عبادته حق {مَا يَدْعُونَ} الأوثان، أو إبليس. {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)} {مَنسَكاً} عيداً، أو موضعاً معتاداً لمناسك الحج والعمرة، أو مذبحاً، أو متعبداً، النسك: العبادة، والناسك العابد «ح». {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)} {ضُرِبَ مَثَلٌ} مثلهم في عبادة غير الله كمن عبد من لا يخلق ذباباً أو لا مثل ها هنا والمعنى ضربوا الله مثلاً بعبادة غيره، وسُمي ذباباً، لأنه يُذب استقذاراً له واحتقاراً، وخصه بالذكر لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته. {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)} {مَا قَدَرُواْ اللَّهَ} نزلت في اليهود لما قالوا: استراح الله في السبت ما عظموه حق تعظيمه، أو ما عرفوه حق معرفته، أو ما وصفوه حق صفته. {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)} {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء {وَمَا خَلْفَهُمْ} ما يكون بعد خلقهم، أو أول أعمالهم وما خلفهم آخرها، أو أمر الآخرة وما خلفهم أمر الدنيا. {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} {حَقَّ جِهَادِهِ} اعملوا له حق عمله، أو أن يُطاع فلا يُعصى ويُذكر فلا يُنسى ويُشكر فلا يُكفر نسخها {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16] أو هي محكمة لأن حق جهاده ما لا حرج فيه. {اجْتَبَاكُمْ} اختاركم {حَرَجٍ} ضيق فخلصكم من المعاصي بالتوبة، أو من الأيمان بالكَفَّارة، أو بتقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى «ع» أو رُخص السفر القصر والفطر، أو عام إذ ليس في الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من الإثم فيه {مِّلَّة أَبِيكُمْ} وسع دينكم كما وسع ملة إبراهيم، أو افعلوا الخير كفعل إبراهيم، أو ملة إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم داخلة في دينه، أو عليكم ولاية إبراهيم ولا يلزمكم حكم دينه {هُوَ سَمَّاكُمُ} الله سماكم المسلمين قبل القرآن، أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقوله {أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} [البقرة: 128] {شَهِيداً} ليشهد الرسول عليكم أنه بلغكم وتشهدوا على من بعدكم أنكم بلغتموهم ما بلغكم، أو يشهد الرسول عليكم بأعمالكم، وتشهدوا على الناس أن رسلهم بلغوهم {فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ} المكتوبة {وَءَاتُواْ الزَّكَاةَ} المفروضة {وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ} امتنعوا به، أو تمسكوا بدينه {مَوْلاكُمْ} مالككم، أو المتولي لأموركم {فَنِعْمَ الْمَوْلَى} لما لم يمنعكم الرزق إذ عصيتموه {وَنِعْمَ النَّصِيرُ} لما أعانكم حين أطعتموه. {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} {أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} سعدوا، أو بقيت لهم أعمالهم، أو بقوا في الجنة، الفلاح: البقاء، أو أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا «ع». {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} {خَاشِعُونَ} خائفون، أو خاضعون، أو ساكنون، أو غض البصر وخفض الجناح، أو النظر إلى موضع السجود، وأن لا يجاوز بصره مصلاه. {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} {اللَّغْوِ} الباطل «ع» أو الكذب، أو الحلف، أو الشتم شتمهم كفار مكة فنهوا عن إجابتهم، أو المعاصي كلها. {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)} {الْوَارِثُونَ} قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن دخل النار ورث أهل الجنة منزله، وإن دخل الجنة ورث أهل النار منزله فذلك قوله {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}». {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} {الْفِرْدَوْسَ} اسم للجنة «ح» أو أعلى الجنان، أو جبل الجنة الذي تنفجر منه أنهارها، أو البستان رومي عُرِّب، قاله الزجاج. أو عربي وهو الكرم. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} {الإِنسَانَ} آدم عليه الصلاة والسلام أُستل من الطين، أو بنوه لرجوعهم إليه. {سُلالَةٍ} سلالة كل شيء صفوته التي تُستل منه، أو القليل مما يُستل وتُسمى النطفة والولد سلالة لأنهما صفوتان، أو ينسلان، أو السلالة الطين الذي إذا عصرته بين أصابعك خرج منه شيء، أو التراب. {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)} {قَرَارٍ} الرحم {مَّكِينٍ} متمكن هيء لاستقراره. {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} {عَلَقَةً} الدم الطري سمي به لأنه أول أحوال العلوق {الْمُضْغَةَ} قدر ما يمضغ من اللحم، ذكر ذلك ليعلم الخلق أن الإعادة أهون من النشأة {خَلْقاً ءَاخَرَ} بأن نفخ فيه الروح «ع»، أو بنبات الشعر، أو بأنه ذكر، أو أنثى «ح»، أو استوى شبابه {فَتَبَارَكَ} تعظيم {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أصنع الصانعين «. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)} {طَرَآئِقَ} سماوات لأن كل طبقة طريقة للملائكة أو طباقاً بعضها فوق بعض ومنه طراق النعل إذا أطبق عليها ما يمسكها، أو كل طبقة منها على طريقة من الصنعة والهيئة. {غَافِلِينَ} من نزول المطر عليهم من السماء أو من سقوطها عليهم، أو عاجزين عن رزقهم. {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20)} {وَشَجَرَةً} الزيتون خصت بالذكر لكثرة نفعها وقلة تعاهدها {سَيْنَآءَ} البركة كأنه قال: جبل البركة «ع»، أو الحسن المنظر أو الكثير [الشجر]، أو الجبل الذي كلم عليه موسى عليه الصلاة والسلام أو المرتفع من السناء وهو الارتفاع فيكون عربياً وعلى ما سبق سريانياً «ع» أو نبطياً، أو حبشياً {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} بالمطر ليصح دخول الباء. أو الزيت أي تثمر الدهن فالباء صلة ......................... *** ............ونرجوا بالفرج أو معناه تنبت وفيها الدهن، وهذه عبرة تشرب الماء وتنبت الدهن {وَصِبْغٍ} أدم يصطبغ به، وقيل الصبغ كل ما يؤتدم به سوى اللحم. {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)} {مَّا سَمِعْنَا} بمثل دعوته، أو ببشرٍ أتى برسالة ربه {الأَوَّلِينَ} أول أب ولدك أو أقرب آبائك إليك. {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)} [{حَتَّى حِينٍ}] الحين: موته، أو ظهور جنونه. {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)} {التَّنُّورُ} تنور الخبز، أو أحر مكان في دارك، أو طلوع الفجر أو عَبَّر به عن شدة الأمر كقولهم: حمى الوطيس. {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)} {أَنزِلْنِى} في السفينة {مُنزَلاً مُّبَارَكاً} بالنجاة، أو أنزلني منها منزلاً مباركاً بالماء والشجر. {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)} {نَمُوتُ} يموت قوم ويولد آخرون، أو يموت قوم ويحيا آخرون، أو فيه تقديم وتأخير، أو يموت الآباء ويحيا الأبناء. {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)} {غُثَآءً} البالي من الشجر «ع»، أو ورق الشجر إذا وقع في الماء ثم جف، أو ما حمله الماء من الزبد والقذى {فَبُعْداً} لهم من الرحمة باللعنة، أو بُعْدًا لهم في العذاب زيادة في هلاكهم {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)} {تَتْرَا} منون متواترين يتبع بعضهم بعضاً «ع»، أو متقطعين بين كل اثنين دهر طويل، تتراً: اشتُق من وتر القوس لاتصاله بمكانه منه أو من الوتر لأن كل واحد يبعث فرداً بعد صاحبه، أو من التواتر. {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)} {عَالِينَ} متكبرين، أو مشركين، أو قاهرين، أو ظالمين. {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)} {عَابِدُونَ} مطيعون، أو خاضعون، أو مستعبدون، أو كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون، وفرعون يعبد الأصنام. {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)} {ءَايَةً} بخلقه من غير والد وكلامه في المهد ببراءة أمه {رَبْوَةٍ} المكان المرتفع إذا اخضر بالنبات فإن لم يكن فيه فهو نشز، أو ربوة وإن لم يكن به نبات والمراد بها الرملة، أو دمشق، أو مصر، أو بيت المقدس، قال كعب: هي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلاً. {قَرَارٍ} استواء، أو ثمار، أو معيشة تقوتهم «ح»، أو منازل يستقرون فيها {وَمَعِينٍ} الماء الجاري، أو الظاهر، أشتق من العيون لجريانه منها فهو مفعول من العيون، أو من المعونة، أو الماعون. {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)} {أُمَّتُكُمْ} دينكم، أو جماعتكم، أو خقلكم. {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} {فَتَقَطَّعُواْ} فتفرقوا أمر دينهم {زُبُراً} فرقاً وجماعات، أو كتباً أخذ كل فريق كتاباً آمن به وكفر بما سواه {بِمَا لَدَيْهِمْ} من دين وكتاب أو أموال وأولاد {فَرِحُونَ} معجبون، أو مسرورون. {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)} {غَمْرَتِهِمْ} ضلالتهم، أوجهلهم، أو غفلتهم، أو حيرتهم {حَتَّى حِينٍ} الموت، أو يوم بدر، أو تهديد كقول القائل «لك يوم» قاله الكلبي. {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)} {نُمِدُّهُم} نعطيهم ونزيدهم. {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)} {نُسَارِعُ} بجعله خيراً لهم عاجلاً، أو نريد لهم به خيراً {لا يَشْعُرُونَ} أنه استدراج، أو اختبار. {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)} {يُؤْتُونَ} الزكاة، أو أعمال البر كلها {وَجِلَةٌ} خائفة، قيل وجل العارف من طاعته أكثر من وجله من مخالفته، لأن التوبة تمحو المخالفة والطاعة تطلب بتصحيح الغرض {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ} يخافون أن لا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه، أو أن لا يقبل عملهم إذا عرضوا عليه. {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} لمن تقدمهم من الأمم. {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)} {غَمْرَةٍ} غطاء، أو غفلة من هذا القرآن، أو الحق {أَعْمَالٌ} خطايا من دون الحق، أو أعمال أُخر سبق في اللوح المحفوظ أنهم يعلمونها. {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)} {مُتْرَفِيهِم} الموسع عليهم بالخصب، أو الأموال والأولاد {يَجْئَرُونَ} يجزعون، أو يستغيثون «ع»، أو يضجون، أو يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة فلا تُقبل منهم «ح» قيل نزلت في قتلى بدر {إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ} الذين بمكة. {قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)} {تَنكِصُونَ} تستأخرون، أو تكذبون، أو رجوع القهقرى عَبَّر به عن ترك القبول. {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)} {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} بحرم الله أن يظهر عليهم فيه أحد {سَامِراً} فاعل من السمر وهو الحديث ليلاً، أو ظل القمر يقولون حلف بالسمر والقمر، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر ويقولون: لا أكلمك السمر والقمر أي الليل والنهار، قال الزجاج: أخذت سمرة اللون من السمر. {تَهْجُرُونَ} تعرضون عن الحق أو «تُهِجرون» القول بالقبيح من الكلام وبالضم من هُجر القول، أنكر تسامرهم بالإزراء على الحق مع ظهوره لهم، أو أنكر تسامرهم آمنين والخوف أحق بهم. {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)} {اتَّبَعَ الْحَقُّ} الله عند الأكثرين، أو التنزيل {أَهْوَآءَهُمْ} فيما يشتهون، أو يعبدون. {وَمَن فِيهِنَّ} الثقلان والملائكة، أو ما بينهما من خلق {بِذِكْرِهِم} بيان الحق لهم، أو شرفهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم والقرآن بلسانهم، فهم عن شرفهم، أو عن القرآن {مُّعْرِضُونَ}. {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)} {فَخَرَاجُ رَبِّكَ} فرزق ربك في الدنيا والآخرة، أو أجره في الآخرة، الخَرْج: ما يؤخذ عن الرقاب، والخراج ما يؤخذ عن الأرض قاله أبو عمرو بن العلاء. {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)} {لَنَاكِبُونَ} عادلون، أو حائدون، أو تاركون، أو معرضون. {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)} {بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} السبع التي دعا بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقحطوا سبع سنين حتى أكلوا العلهز من الجوع وهو الوبر بالدم، أو قتلهم يوم بدر «ع» أو باباً من عذاب جهنم. {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)} {ذَرَأَكُمْ} خلقكم، أو نشركم. {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)} {اخْتِلافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ} بالزيادة والنقصان، أو تعاقبهما. {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)} {مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} خزائن كل شيء، أو ملك كل شيء وهو مبالغة كالجبروت والرهبوت، {يُجِيرُ} يمنع ولا يمنع منه. {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)} {تُسْحَرُونَ} تُصرفون عن التصديق بالبعث، أو تكذبون فيخيل إليكم أن الكذب حق. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)} {بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} ادفع بالإغضاء والصفح إساءة المسيء، أو الفحش بالسلام، أو المنكر بالموعظة، أو أمح بالحسنة السيئة، أو قابل أعداءك بالنصح وأولياءك بالموعظة. {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)} {هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} نزغاتهم، أو إغوائهم، أو أذاهم، أو الجنون. {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)} {يَحْضُرُونِ} يشهدون، أو يقاربون. {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} {وَرَآئِهِم} أمامهم {بَرْزَخٌ} حاجز بين الموت والبعث، أو بين الدنيا والآخرة، أو بين الموت والرجوع إلى الدنيا، أو الإمهال إلى يوم القيامة، أو ما بين النفختين وهو أربعون سنة. {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} {فَلا أَنسَابَ} يتواصلون بها، أو لا يتعارفون للهول {وَلا يَتَسَآءَلُونَ} أن يحمل بعضهم عن بعض ولا أن يعين بعضهم بعضاً، أو لا يتساءلون لانشغال كل منهم بنفسه. {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)} {شِقْوَتُنَا} الهوى، أو حسن الظن بالنفس، وسوء الظن بالخلق. {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} {اخْسَئُواْ} اصغروا، الخاسىء: الصاغر «ح»، أو الساكت الذي لا يتكلم، أو ابعدوا بُعد الكلب {وَلا تُكَلِّمُونِ} في دفع العذاب، أو زجرهم عن الكلام غضباً عليهم «ح»، فهو آخر كلام يُكلمون به. {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)} {سِخْرِيّاً} هزواً بالضم والكسر، أو بالضم من السخرة والاستعباد وبالكسر الاستهزاء «ح». {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)} {لَبِثْتُمْ} في الدنيا، أو القبور، استقلوا ذلك لما صاروا إليه من العذاب الطويل. {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)} {الْعَآدِّينَ} الملائكة، أو الحُسَّاب. {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} {لا بُرْهَانَ لَهُ} أن مع الله إلهاً آخر، أو صفة الإله المعبود [من دون الله] أنه لا برهان له {حِسَابُهُ} محاسبته عند الله يوم القيامة، أو مكافأته، والحساب المكافأة «حسبي الله» أي كافيني الله. {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)} هذه {سُورَةٌ} {وَفَرَضْنَاهاَ} مخففاً قَدَّرنا فيها الحدود، أو فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام، وبالتشديد بَيَّناها «ع» أو كثَّرنا ما فرض من الحلال والحرام {ءَايَاتٍ بَيْنَاتٍ} حججاً دالة على التوحيد ووجوب الطاعة، أو الحدود والأحكام. {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} {الزَّانِيَةُ} بدأ بها لأن شهوتها أغلب وزناها أعرُّ ولأجل الحبل أضر {فَاجْلِدُواْ} أخذ الجلد من وصول الضرب إلى الجلد، وهو أكبر حدود الجلد؛ لأن الزنا أعظم من القذف، وزادت السنة التغريب وحد المحصن بالسنة بياناً لقوله {أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15] أو ابتداء فرض {فِى دِينِ اللَّهِ} في طاعته {رَأْفَةٌ} رحمة نهى عن آثارها من تخفيف الضرب إذ لا صنع للمخلوق في الرحمة. {تُؤْمِنُونَ} تطيعونه طاعة المؤمنين {عَذَابَهُمَا} حدهما {طَآئِفَةٌ} أربعة فما زاد أو ثلاثة، أو اثنان، أو واحد، وذلك للزيادة في نكاله. {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} {الزَّانِى لا يَنكِحُ} خاصة برجل استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في نكاح أم مهزول كانت بغيّاً في الجاهلية من ذوات الرايات وشرطت له أن تنفق عليه فنزلت فيهما، قاله ابن عمرو ومجاهد رحمهما اللَّهُ تعالى، أو في أهل الصُّفَّة من المهاجرين، كان في المدينة بغايا معلنات بالفجور فهموا بنكاحهن ليأووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن وكن مخاصيب الرحال بالكسوة والطعام، أو الزانية لا يزني بها إلا زانٍ والزاني لا يزني إلا بزانية «ع»، أو الزانية محرمة على العفيف والعفيف محرم على الزانية ثم نسخ بقوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} [النساء: 3]، أو خاص بالزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة ولا ينكح غير محدودة، ولا عفيفة، والزانية المحدودة لا ينكحها غير محدود ولا عفيف «خ» {وَحُرِّمَ} الزنا، أو نكاح الزواني {عَلَى الْمؤْمِنِينَ}. {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} حد القذف حق الآدمي لوجوبه بطلبه وسقوطه بغفوه، أو حق الله، أو مشترك بينهما. ويتعلق به الحق والفسق ورد الشهادة. {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ} فيزول فسقهم ولا يسقط الحد عنهم وتقبل شهادتهم قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه قاله الجمهور، أو لا تقبل بحال، أو تقبل قبل الحد ولا تقبل بعده، أو عكسه وتوبته بإكذابه نفسه، أو بالندم والاستغفار وترك العود إلى مثله. {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)} {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} أي هلال بن أمية جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال: يا رسول الله جئت عشياً فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وثقل عليه فنزلت، أو أتاه عويمر فقال: يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه به أم كيف يصنع فنزلت فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: قد نزل القرآن فيك وفي صاحبتك ولاعن بينهما، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} عبر عن اليمين بالشهادة. قال قيس: وأشهد عند الله أني أحبها *** فهذا لها عندي فما عندها ليا أو هو شهادة فلا يلاعن الكفار والرقيق. {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)} {وَيَدْرَؤُاْ} يدفع {الْعَذَابَ} الحد، أو الحبس، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة بلعان الزوج، أو بلعانهما، أو بلعانهما وتفريق الحاكم، أو بطلاق يوقعه الزوج. ثم تحرم أبداً، فإن أكذب نفسه ففي حِلَّها مذهبان. {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)} {فَضْلُ اللَّهِ} الإسلام {وَرَحْمَتُهُ} القرآن، أو فضله: منته، ورحمته: نعمته تقديره ورحمته بإمهالكم حتى تتوبوا لهلكتم، أو لولا فضله ورحمته لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم. {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)} {الِّذِينَ جَآءُو بِالإِفْكِ}: عبد الله بن أُبي، ومسطح بن أُثاثة، وحسان بن ثابت وزيد بن رفاعة وحمنة بن جحش، والإفك: الكذب أو الإثم {خَيْرٌ لَّكُمْ} لأن الله تعالى برَّاْ منه وأثاب عليه، يريد عائشة وصفوان، أو الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعائشة رضي الله تعالى عنهما {مَّا اكْتَسَبَ} عقاب ما اكتسب {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ} عبد الله بن أُبي، أو حسان ومسطح والعذاب العظيم: العمى. {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} {لَّوْلآ} هَلاَّ {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي الإفك {بِأَنفُسِهِمْ} ظن بعضهم ببعض، أو ظنوا بعائشة رضي الله تعالى عنهما كظنهم بأنفسهم {إِفْكٌ مُّبِينٌ} كذب بيِّنٌ، ولم يحد الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً من أهل الإفك؛ لأن الحد لا يُقام إلا ببينة أو إقرار ولم ينفذ بإقامته بإخبار الله تعالى كما لا يقتل المنافق بإخباره بنفاقه، أو حدَّ حسان وابن أُبي ومسطحاً وحمنة فيكون العذاب العظيم الحدُّ. وقال فيهم بعض المسلمين: لقد ذاق حسان الذي كان أهله *** وحمنة إذ قالوا هجيراً ومسطحُ تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم *** وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا وآذوا رسول الله فيها فَجُلِّلُوا *** مَخازي تبقى عُمِّمُوها وفُضِّحوا كما ابن سلول ذاق في الحد خِزية *** كما خاض في قول من الإفك يفصح فصبت عليهم مُحصدات كأنها *** شآبِيبُ مزن من ذُرى المزن تسفحُ وقال حسان يعتذر من إفكه: حصانٌ رزَانٌ ما تُزَنُّ برِيَبةٍ *** وتُصبحُ غَرثَى من لُحوم الغَوَافِلِ مطهرة قد طيب الله خلقها *** وطهرها من مكل سوء وباطل عقيلة حي من لؤي بن غالب *** كرام المساعي مجدهم غير زائل فإن كنت قد قلت الذي قد أتاكم *** فَلا رَفَعتْ سوطِي إليَّ أَنامِلِي وكيف وَوُدِّي ما حَييتُ ونُصرتي *** لآل رسول الله زين المحافل وإن الذي قد قيل ليس بلائط *** ولكنه قول امرىءٍ غير ماحل {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)} {تَلَقَّوْنَهُ} بالقبول من غير إنكار، أو تتحدثُون به وتُلْقونه حتى ينتشر. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)} {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} خطاياه، أو أثره، أو تخطيه من الطاعة والحلال إلى المعصية والحرام، أو النذر في المعاصي. {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} {يَأْتَلِ} ويتألَّ واحد أي لا يقسم أو لا يقصر، ما ألوت جهداً أي ما قصرت، أو يأتلِ: يقصر، ويتألَّ: يقسم، كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه ينفق على مسطح وكان ابن خالته فلما تكلم في الإفك أقسم أبو بكر رضي الله تعالى عنه أن لا ينفق عليه، فنزلت. {وَلْيَعْفُواْ} عن الأفعال {وَلْيَصْفَحُواْ} عن الأقوال، أو العفو: ستر الذنوب من غير مؤاخذة والصفح: الإغضاء عن المكروه {أَلا تُحِبُّونَ} كما تحبون أن تُغفر ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم فلما سمِعَها أبو بكر رضي الله تعالى عنه رَدَّ إليه النفقة. {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} {الْخَبِيثَاتُ} خبيثات النساء لخبيثي الرجال، وخبيثوا الرجال لخبيثات النساء، وطيبات النساء لطيبي الرجال، وطيبو الرجال لطيبات النساء، أو أراد بالخبيثات والطيبات: الأعمال الخبيثة والطيبة لخبيثي الناس وطيبيهم. أو أراد الكلمات الخبيثات والطيبات لخبيثي الناس وطيبهم {أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ} أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم مُبَرآت من الفواحش، أو عائشة، وصفوان مبرآن من الإفك، أو الطيبون والطيبات مبرؤون من الخبيثين والخبيثات. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} {تَسْتَأْنِسُواْ} تَستأذنوا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخطأ الكاتب فكتب «تستأنسوا»، أو عَبَّر عن الاستئذان بالاستئناس لأنه مؤنس، أو تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح ليعلموا بالدخول عليهم، أو تعلموا فيها من يأذن لكم؛ لقوله {فَإِنْ آنَسْتُمْ} [النساء: 6] أو الاستئناس: الاستخبار والإيناس: اليقين {وَتُسَلِّمُواْ} السلام مسنون بعد الاستئذان على ظاهر الآية، ولأنه تحية للقاء واللقاء بعد الإذن، أو السلام قبل الاستئذان على ما تضمنته السنة، وإن كان قريباً فإن لم يكن مَحْرَماً لزم الاستئذان عليه كالأجانب، وإن كانوا محارم فإن كان ساكناً معهم في المنزل لزمه إنذارهم بدخوله بوطىء أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العورة بينهما وإن لم يكن ساكناً معهم في المنزل لزم الاستئذان بوطىء أو نحنحة، أو هم كالأجانب.
|